مواعظُ قيّمةٌ لم يتمَّ استيعابُها
بثقةٍ لا يشوبُها شكٌّ
كانَ يقفُ بينَنا...
يغرزُ عينيه المُتَّقدتينِ
في وجوهِنا، ويُردِّدُ:
"القداسةُ في تلاحمِ الأضداد
القداسةُ في تلاحمِ الأضداد".
بصوتِه الأجشّ
مثلَ كاهنٍ في جَنازةٍ
كانَ يقولُ ويُعيد:
"القداسةُ في تلاحمِ الأضداد
القداسةُ في تقاطعِ الليلِ والنهار".
مثل كابوسٍ ثقيل
كانَ يحطُّ على أرواحِنا
صارخًا ملْءَ الحنجرة:
"القداسةُ في تلاحمِ الأضداد
في ارتباكِ العذراء
إزاءَ الرغبة".
ونحنُ نسمعُ خطبَه
كانت قُشعريرةٌ تشبهُ الموتَ
تسري في أبدانِنا
كُنّا
ثلَّةِ مُراهقينَ
مُنشغلينَ بشعورِنا المُلمّعة
وتلكَ الخربشاتِ التي
تشبهُ اللحى والشَّوارب
وكانتْ عظاتُه تملأُ قلوبَنا
رُعبًا لا يوصف.
سنواتٌ طويلةٌ مرَّت
منذ رأيناهُ
أو سمعنا صوتَه الأجشَّ.
يُقالُ إنّهُ ما انفكَّ
يُزعجُ الناسَ بمواعظِه
في قريةٍ ما
رُسِمَ فيها كاهنًا!!
ويقالُ أيضًا
إنّه تابَ إلى رُشدِه
وأصبحَ مُستوردًا للأقمشة...
أنا ما عدتُ أذكرُ الكثيرَ
عنه وعن مواعظِه.
لكن ما من سنين
تستطيعُ أن تمحوَ
من مُخيِّلتي
عينيه المُتَّقدتينِ،
وهو يقفُ بينَنا
مُلقيًا
مواعظَه الغريبة.