رمزي سليمان
زيارة قصيرة لأمير
(سرديّة)
لم أكن قد تجاوزت السادسةَ حين "رشق" المعلِّم إلياسَ حيطان غرفتي. حينها لم أكن أعلمُ من الأميرُ الذي رسم المعلِّمُ صورتهُ على جدار غرفتي، كما لم يكن أحدٌ في "حارة الروم" قاطبةً قد سمع بهذا الأميرِ لا عن قريبٍ ولا عن بعيد.
حتّى المعلِّم إلياس نفسه لم يكن يعلمُ من الفتى ناعسُ العينينِِ بشعره الذهبيّ، سيفه المنكّس وعباءته التي تحاكي ذيل الحوت.
بعد أن أكملَ المعلم رسم الصورة، تغيرت أحلامي، صارت شيئًا آخرَ. فما من ليلة غفوت فيها إلا وطرت، تحملني طيورٌ ناعمةٌ بيضاءُ إلى قفار بعيدة مسحورةْ. أتقعّدُ صخورًا ملساءَ على ذرىً عاليةٍ، أرقب غروبًا بعد غروب. وإن أفقتُ، كانت تكفي نظرة خاطفة إلى غلامِ شَعرِ الذهبْ، لتمتلئ غرفتي يراعات ودودة، تلج من النافذة، متلألئةً بضوئها الحنون.
حين بلغت العاشرة قرّر أهلي أنّ حائطًا ملونًا لا يليق بسنّي. أتوا "برشّاق" جهم الوجه كشط الحائط و"رشقه" بجير باهت كباقي الحيطان.
وهكذا، دفعةً واحدةً، دخلتُ عالم السياسة. في النهارْ أجلس ساعاتٍٍ أمّام المذياعْ، أنصت لصوت العرب من القــــــاهرة. في المساءْ أقف على مصطبة صغيرة، أعيدُ على مسمع ضيوفنا خطاب عبد الناصرِ وهو يؤمم القناة.
اليوم، بعد سنين لا تعدّها أصابع كثيرة، نادرًا ما أنشغل بطفولتي. ولشؤونٍ عديدةٍ، كميليْ لكلمة الحقّ وتقززي من المُرائين، ما قربت السياسةَ ولا وضعت رجالاتها "في العبّ".
أمّا اليراعات اللواتي تلألأن كنجوم كتومة، فقد اختفين بعدما دَفنَت البيوت باحاتها تحت مصاطب الإسمنت.
حيفا، حزيران 2009.